غالبية أطفالنا لا يعرفون كيف يتصرّفون إذا داهمهم خطر أو مروا بظروف صعبة، وليسوا قادرين على حماية أنفسهم ولا يملكون المهارات التي تساعدهم على تجنّب الظروف التي يمكن أن تؤدّي بهم إلى الوقوع في مشكلات. إن طبيعة تكوينهم العقلي والجسدي، وخبرتهم القليلة في الحياة، إضافة إلى جهلهم بمكمن الخطر، وترجيحهم النية الحسنة باتّباع الرغبات الطفولية تجعلهم دائمًا أكثر عرضة للخطر. وإذا علمنا أن نسبة كبيرة من أطفالنا ليس لديهم معرفة أو تدريب على التصرّف السليم للوقاية أو للنجاة أو للدفاع عن النفس، فهذا يجعل الظروف مهيأة لوضع أطفالنا في خندق محاك بالشر من جميع جوانبه. حينما نسمع قصة الطفل الخليجي الذي اختُطف في مصر نشعر بمقدار التقصير في العناية التي نوليها للأطفال، فلا يزال هذا الطفل يعيش صدمة نفسية بعد تعرّضه للخطف والتعذيب من أحد معارف العائلة حينما كانوا في مصر. لقد استدرجه أب معه طفلته في ظل غياب العائلة لكي يطلعه على كلاب ذات ألوان مختلفة مستغلا رغبة الطفل الفطرية في حب الاستطلاع، وحينما أدخله المكان أغلق عليه الأبواب وحبسه وهدّده بالقتل وقام بتصويره. إن هذه التجربة المؤلمة التي مرّ بها هذا الطفل وغيره من الأطفال ممن بقوا على قيد الحياة لن تنمحي من ذاكرتهم إلى الأبد، وسوف تغير مجرى حياة الشخص الذي تعرّض لهذه التجربة تغييرًا جذريًا، ولا أحد يتنبأ بما سيكون عليه هذا المرء إذا كبر ومقدار العقد النفسية أو الاختلالات العصابية والعقلية التي سيعيشها ويؤثر فيها على سواه في المجتمع. هناك أطفال كثيرون انتُزعت منهم حياتهم في هذه الدنيا، وهناك مجموعة أخرى منهم ظلوا أحياء لكن الحياة البريئة وبهجة الدنيا قد غادرتهم إلى الأبد، وسيبقون في حسرة دائمة تتربص بمجريات أيام حياتهم كلها. ومن هنا، تبرز الحاجة إلى إيجاد برامج مخصصة للأطفال تراعي مختلف الأعمار لتدريبهم على حماية أنفسهم من الوقوع في الأخطار. فالمنزل مليء بالخطر في الأدوية والمواد الكيماوية وأدوات المطبخ ونوافذ المنزل والأبواب وأفياش الكهرباء وغيرها من الأشياء التي تمثل تهديدًا لحياة الطفل إذا لم يجد الرعاية والاهتمام في سنواته الأولى ولم يجد التثقيف المناسب حينما يكبر. والشارع مليء بالخطر، والسوق، والمدرسة، والجيران، والسيارة، والمحافل..إلخ. ولا نعلم أين ذهبت تلك البرامج الصحية التثقيفية مثل برنامج "سلامتك" الذي ساهم في تثقيف الأطفال فقط ووالديهم حول كيفية التعامل مع حالات التسمم والحريق والغرق، والبعد عن الكهرباء، وكيفية التصرف في حالة وقوع خطر في الأماكن العامة أو المدرسة أو المنزل وكيفية عبور الشارع، وغير ذلك. كما أنه علّم الأطفال كيف يثقون بغيرهم، وكيف يجب عليهم الحذر من الغرباء ومعرفة الحيل التي يمكن أن تحاك ضدهم في الشارع أو في الأماكن العامة في ظل غياب أهلهم. إن مجتمعنا يتأثر بشكل قوي وسريع بما يراه في التلفزيون، وحسب ما كشفت عنه الدراسات مؤخرًا، فإن أطفالنا من أكثر الأطفال المرتبطين بالشاشات الفضية طوال اليوم. وهذا يجعل فرصة نجاح التوعية الإعلامية كبيرة للغاية إذا روعي فيها جرعات تثقيفية صحية مركزة ومنظمة بشكل ممتع لا يشعر المشاهد بالملل. تستطيع وزارة التربية والتعليم تنظيم هذه البرامج والإشراف عليها بالتعاون مع وزارة الثقافة والإعلام لعرضها في التلفزيون. وحتى ينهض العمل بشكل محترف، فإنه من المهم أن تقوم به شركة إنتاج متخصصة وعلى مستوى عال من الخبرة والحرفية، لضمان نجاح البرامج حتى لا تكون مجرد برامج تعج بالنصائح المتكررة والمعزولة عن واقع الطفل وعن حال المجتمع الآن وبخاصة أن العوائل الخليجية تعيش مع عناصر أجنبية ساهمت في رفع مستوى الجريمة مثل الخادمة والسائق. من الواجب على الآباء والجهات المسؤولة بذل المجهود في سبيل حماية هؤلاء الأطفال من أي احتمال للخطر، وتهيئتهم ليعيشوا حياة مستقرة هانئة بعيدًا عن الرعب والهلع أو الهلاك والاستغلال.