عندما ينطلق الطفل في الكلام بدون ضوابط..ويبدأ في الحركة بنشاط في جميع الاتجاهات والأمكنة، فينشر الفوضي في البيت، ويحطم بعض الأشياء الثمينة، أو يعبث بالأدوات والأجهزة، أو يقوم بحركات أو يتلفظ بعبارات غير لائقة.. هنا يلجأ الوالدان إلي النصح أو التحذير أو الضرب.. والبعض قد يتصور أن استخدام هذا العقاب البدني ضار بصحة الطفل النفسية ويفسد علاقته بوالديه.. ويتساءلون عن الصواب والخطأ في أسلوب العقاب البدني.. وهل هو ضروري للطفل ؟.. وما أضراره ؟.. ومتي يلجأون إليه؟.. وإذا كان مسموحا به فإلي أي حد؟.. وكيف يتم توقيعه بالأسلوب الصحيح؟ د. علاء الدين كفافي، أستاذ الإرشاد النفسي بمعهد الدراسات والبحوث التربوية جامعة القاهرة يقول إنه لا يوجد شخص إلا وقد نال عقابا بدنيا من والديه، أحدهما أو كليهما وهو صغير ولو لمرة واحدة.. وبالنسبة لما يعتقده البعض أن هذا العقاب البدني له تأثيره الضار على الصحة النفسية للطفل وعلي علاقته بوالديه التي هي أساس نمو شخصيته علي النحو السليم.. فهو اعتقاد يختلط فيه الصحيح بغير الصحيح.. لأن العقاب البدني أو الضرب و أسلوب قائم في التربية ولكنه ينبغي أن يوضع في وضعه الصحيح وأن يكون الحلقة الأخيرة في سلسلة مواجهة الطفل الخاطيء، فالمفروض أن ينتهي به الآباء لا أن يبدأوا به.. والأصل أن يعرف الطفل الصواب والخطأ من الأفعال عند البداية؟ وإذا ما أخطأ الطفل فعلى الآباء أن يتبعوا معه أولا أسلوب النصح والتوجيه وبيان أوجه الضرر فيما فعل ووجه الصواب في الموقف، وإذا كرر الطفل نفس الفعل الخاطيء فيتبع معه الآباء أسلوب التحذير والإنذار وأن تتسم نبرتهم بالحزم والجدية وأن يسمعوا له إذا كان لديه ما يقوله، وعليهم أن يفهموا الطفل بوضوح بأنه سيعاقب إذا تكرر منه الخطأ مرة أخري.. هذا مع حرص الآباء علي إزالة أي أسباب يمكن أن تكون وراء تكرار الخطأ.. ويشير د. علاء إلي أنه في معظم الحالات إذا ما اتبعت هذه الخطوات فإن الطفل سيقلع عن السلوك الخاطيء أو أن الآباء سيتعرفون على الدافع لسلوكه هذا ويعملون علي مواجهته.. أما إذا استمر الطفل في إتيان السلوك الخاطيء بعد ذلك.. فليس أمام الآباء إلا العقاب البدني حتي يعرف الطفل أن الأمر جاد وما هو بالهزل، وأن هذا السلوك غير مسموح به. وقد يدهش الآباء الذين يبدأون بعقاب الطفل بدنيا ويعبرون عن حيرتهم عندما يجدون أن الطفل يكرر نفس الفعل الذي عوقب عليه ويستخدمون معه اساليب أقل حدة من العقاب تسترضيه باعتباره طفلا عنيدا ولا تنفع معه الشدة، والخطورة هنا أن الطفل يكتشف فيهم هذه الدهشة والحيرة ويمارس عليهم قدرته على الفعل والتأثير ليأتي ما يريد من أعمال وسلوكيات.. لأن هؤلاء الآباء استخدموا سلسلة المواجهة على نحو معكوس، حيث بدأوا أولا بالعقاب البدني. ولكن إذا تجاوز الطفل النصح والتوجيه والتحذير والإنذار وكذلك العقاب البدني.. واستمر في ممارسة السلوك الخاطيء.. هنا ينصح د. علاء بضرورة دراسة وتأمل أسباب ذلك، لأن عناد الآباء أيضا وتكرارهم عقاب الطفل دون محاولة بحث أسباب إصرار الطفل على الخطأ يكون له نتائج سيئة، ويضر بصحة الطفل النفسية، ويفسد العلاقة بينه وبين والديه.. كما أنه لابد من اتفاق الوالدين علي استخدام اسلوب المواجهة حتى لا يجد الطفل منفذا يهرب منه ليستمر في سلوكه الخاطيء. وينبه أستاذ الإرشاد النفسي الآباء إلى أن هناك شروطا تجعل من العقاب البدني وسيلة تربيه ايجابية إذا ما قرر الوالدان استخدامه بحيث لا يؤثر علي علاقة الطفل بأبوية، أو علي صحته النفسية ومنها مايأتي: - أن يكون العقاب بسيطا، خاصة إذا كان يوقع للمرة الأولى على الخطأ، فليس من المعقول أن يوقع الآباء عقوبة مخففة أو مشددة علي كل الأفعال الخاطئة.. فالعدل يقتضي تدرج العقوبة مع حجم الخطأ.. ولقد أثبت البحث أن العقاب إذا كان القصد منه الإصلاح والتقويم وليس الانتقام وإيقاع الأذى يكون له مردوده التربوي.. فإذا صدر العقاب الإصلاحي من الأب الحنون والمتفهم للطفل، فعادة ما يستجيب له الطفل ولا يؤثر سلبا علي علاقته بوالده. ــ أن يعرف الطفل لماذا يعاقب قبل أن يتعرض للعقاب، لأن عقاب الطفل بدون معرفته للسبب ـ وهو ما قد يفعله الآباء أحيانا في حالة الإنفعال أو في حالة تراكم أخطاء بلا حساب لفترة من الزمن ـ يؤدي إلي إدراك الطفل أن سلوك الوالد أو الوالدة هو ظلم واضطهاد، وقد يعتقد أنه ضحية قسوة والديه.. ويكبر معه هذا الشعور الزائف بأنه ضحية ويخلق له الكثير من المضاعفات النفسية والاجتماعية.. ــ ألا يتخذ الآباء من العقاب الذي وقع وسيلة للتشهير بالطفل فيما بعد، حيث يذكرونه بالعقاب السابق ويهددونه بعقاب لاحق مثله.. فهذا إذلال للطفل، خاصة إذا تم أمام الآخرين ممن لا يعيشون مع الطفل.. وأن تحرص الأمهات علي عدم رواية حكاية عقاب الطفل كمادة للحديث لأنه يعد انتهاكا لخصوصية الطفل وهويته التي يجاهد لبنائها وسط أسرته وأقرانه. ــ ألا يؤجل العقاب إذا تقرر، بمعني أن الطفل إذا أتى بعمل رأي الوالدان أنه يستوجب العقاب، وأعلناه بذلك فيجب أن يعاقب مباشرة، حتي لا يصبح الطفل في حالة ترقب وقلق وانتظار ومتوترا حتي يتم عقابه ويصفي حسابه مع والديه.. وهذا ما تفعله أحيانا كثيرة من الأمهات في غيبة الوالد عن البيت.. فتعلن للطفل المخطيء أنها ستخبر والده بما فعله كي يعاقبه، مما يشيع في نفسه التوتر والاضطراب. ــ ألا يعاقب الطفل علي سلوك في إحدي المرات، ثم نتجاهل نفس السلوك في مرة أخرى، أو نسكت عنه، أو نعلق عليه بما يشجعه علي تكراره. أو أن يفهم الطفل من التعليق أن ما فعله يثير الإعجاب والدهشة.. لأن هذا التناقض في الاستجابة الوالدية سيمنعه من أن يتعلم السلوك والعادات والأساليب الصحيحة، حيث إن الطفل يربط ـ كما نعرف ـ بين السلوك والنتيجة التي تحدث بعده، فإذا كانت استحسانا مال إلى تكرار السلوك، وإذا كانت استهجانا مال إلي عدم تكراره.. فماذا يتعلم الطفل إذا أتى سلوكا عوقب عليه في إحدي المرات ثم سكتوا عنه في المرات التالية؟ وأخيرا ينبه د. علاء الأبوين إلى أن تقنين العقاب البدني للطفل ليس معناه اللجوء إلي أسلوب العقاب النفسي، وهو المتمثل في أساليب اللوم والتقريع والتأنيب وإجراء المقارنات التي تكون في غير صالح الطفل.. وهي أساليب تلجأ إليها الأمهات أكثر من الآباء.. لأنها أساليب تخلق للطفل إحساسا بالدونية، خصوصا إذا تكررت، وتنمي مفهوما سلبيا عن نفسه يتضمن أنه أقل من الآخرين ويشوب سلوكه شعور عميق بالذنب وبعدم الجدارة.. لذلك فمن الخطأ ـ كما يقول د. علاء ـ المقارنة بينه وبين غيره من المتفوقين أو الملتزمين كوسيلة لدفع الطفل وتشجيعه، لأن هذا قد يجعله يشعر بمشاعر سلبية إزاء الأطفال الآخرين، ولا يدفعه إلي السلوك الطيب.. والأفضل أن نقارن بين الطفل ونفسه، وأن نشجعه كلما أحرز بعض التقدم.