بسم الله الرحمن الرحيم السلام عليكم ورحمة الله أسئلة كثيرة يطرحها الطفل بعفوية وبراءة، قد ننظر إليها نحن الكبار باعتبار انها «حرام» أو «عيب» أو «أكبر من عمر الطفل» مثل: من خلق الله؟ كيف يستطيع الله التركيز مع البشر جميعاً؟ من أين ولدتُ؟ لماذا لا أتزوج أختي؟ السؤال عن اسم جزء حساس في جسده أو جسد الآخر. لماذا نموت؟ وغيرها من الأسئلة الوجودية والمهمة التي تُحير عقل الطفل من دون الحصول لها على إجابات شافية غالبا. دُهشت حين رأيت الأم وقد صرخت في وجه ابنتها التي لم تتجاوز الخامسة من عمرها، ودفعتها بشدة وهي تقول لها: «أنت لا تكفين عن الأسئلة الغبية مثلك؟» وتركتها منزوية بعيداً، تبكي من دون ان تفهم سبب غضب أمها أو مبررها لعقابها لمجرد انها تجرأت على السؤال! ليست هذه الأم وحدها التي تتصرف بهذه الطريقة القمعية وغير الواعية تجاه أسئلة الطفل.. كثير من الآباء لا يقدرون قيمة السؤال الذي يوجهه لهم أطفالهم باعتباره بابا للمعرفة ونافذة لاكتشاف العالم وتشكيله وفق المعلومات والخبرات التي يحصل عليها الطفل من الحياة، فنرى معظم الآباء يتضايقون أو يصرخون في وجه أطفالهم أو يعاقبونهم أو يشعرون بالحرج أو يتجاهلون الإجابة عن أسئلتهم التي تعكس براءة العقل ودهشة الاكتشاف. تأثير سلبي إن الطفل كائن ذكي جدا على عكس تصورنا، ويختزن في عقله وذاكرته كل ما يجري حوله وكل ما يتعرض له من أحداث، وكل ما يحصل عليه من إجابات، ويفرزها فيما بعد على شكل سلوكيات وتصرفات قد تكون سلبية أو إيجابية. لذا فإن التجاهل أو الصراخ أمام أسئلته يجعله أكثر قابلية للانطواء والخجل، وأكثر تجنبا لاقتحام العالم ومحاولة تفسيره، والربط الخاطئ بين الأشياء ونتائجها، ما يجعله يتراجع ذهنيا وعاطفياً ويمتلك وعيا مشوهاً. كما يصبح أكثر عنادا وعدوانية، وتتميز علاقته بالأبوين أو بدائلهما بعدم الثقة أو الاعتراف بهما مصدرا للحقيقة ويحاول البحث عن بدائل أخرى للحصول على المعلومات التي توقعه في خطر أكبر! بالعكس فإن الطفل الذي يحترمه والداه ويقدران عقله ويساهمان بإجاباتهم عن أسئلته في تشكيل خريطته النفسية بطريقة إيجابية، يكون أكثر ثقة بنفسه وتقديرا لذاته وتطورا في قدراته العقلية وفهما لذاته وللعالم، ويرتفع لديه الذكاء الاجتماعي والعاطفي بدرجة كبيرة ما يساعده على النجاح في الحياة واستيعاب الأمور وحل المشكلات بشكل أفضل. لذا من الأفضل ان ينتبه الأبوان إلى تفاصيل بسيطة لكنها مهمة في التعامل مع الأبناء، مثل: ـ الاستعداد معظم الوقت لسماعهم والإنصات الى أسئلتهم واستفساراتهم، والإجابة عنها وإن بدت محرجة أو في غير وقتها. ـ لنعط أنفسنا فرصة للتفكير في كيفية الإجابة، كأن نقول مثلا: «هذا سؤال مهم دعنا نتناول الغداء أو ننتهي من الواجبات ثم نتحدث فيه باستفاضة»، بدلا من الرد بعصبية أو بطريقة غير لائقة. ـ من الضروري اختيار الوقت والأسلوب المناسبين والعبارات التي تلائم سن الطفل وقدراته حتى يتم إيصال المعلومة بشكل مقنع. ـ طرح أسئلة أخرى متعلقة بالموضوع نفسه بشكل يثير خيال الطفل ورغبته في اكتشاف المحيط الخارجي ويشعره بأنك تسانده نفسيا وعقليا ليكون الأكثر معرفة. ـ عدم الإجابة عن أسئلة الطفل في وقت نشعر فيه بضغوط العمل والمنزل أو الانشغال بأمر مهم. ـ مهم ان نتأكد من إنصات الطفل لنا وانتباهه وتفهمه للمعلومة التي تقدم إليه بل ونطلب رأيه فيما قلنا حتى يشعر بأهميته وبأن الحوار مشترك وليس مجرد عبء نتخلص منه. ـ يمكن ان نحدد وقتا معينا لتلقي أسئلته، كأن نقول له «لا تسأل وقت الأكل، أو المذاكرة، أو الانشغال في تدريس أخوتك» ويفضل ان يكون قبل النوم هو الوقت المتاح له لطرح استفساراته قدر المستطاع، فنجعله وقتا حميما وفرصة للتركيز معه خصوصا إذا لبى رغباتنا في غسل أسنانه أو الاستحمام والانتهاء من واجباته وغيرها من أموره الشخصية. ـ إذا لم نكن متأكدين من الإجابة الصحيحة، نتوقف ونخبره بضرورة ان نسأل شخصا آخر متخصصا إذا كان السؤال في جانب طبي مثلا، أو قراءة كتاب، أو البحث في المعجم.. فهذا خير من الإجابة الخاطئة التي في حال اكتشافه لها تهز ثقته بكلامنا، إضافة إلى تنشيط حاسة البحث لديه وتأكيد ان الآباء ليسوا دائما على علم بكل الأمور. ـ يمكن استغلال الفرصة في طرح سؤاله للنقاش بين أفراد الأسرة جميعا وعلى كل شخص ان يقترح حلا أو إجابة، وسيكون في ذلك فرصة لتبادل الآراء وشعوره بأنه فرد مهم في الأسرة وليس مهملا، وتقريب المسافة بينه وبين أخوته وعدم السخرية من أسئلته مهما كانت بسيطة أو تافهة. ـ مثل هذه الأشياء البسيطة تصنع شخصية الطفل وتبث فيه الثقة بالذات منذ الطفولة وتعلمه احترام الرأي والرأي الآخر وكيف يكتسب المعرفة. المصدر جريدة القبس